المادة    
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تتشرف الشبكة النسائية العالمية باستضافة الشيخ الفاضل: سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله تعالى ورعاه، وذلك في باكورة سلسلة محاضراتها عبر غرفتها المتواضعة (البالتوك) نفع الله بها الإسلام والمسلمين، وأثاب شيخنا الفاضل بالفردوس الأعلى مع الأنبياء والصديقين على حسن تعاونه وتلبيته دعوتنا لإلقاء هذه المحاضرة التي عنوانها: أهمية عمل المرأة في الدعوة إلى الله وضروريته في زمننا الحاضر، فليتفضل شيخنا الكريم مشكوراً مأجوراً.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاللهم لك الحمد أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً على ما أنعمت به علينا من نعمة الإيمان والإسلام، ونشكرك كما يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك.
ثم نشكر بعد ذلك الإخوة الكرام والأخوات الكريمات الفاضلات، الذين حرصوا جميعاً على هذا اللقاء، ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا جميعاً بما نقول ونسمع، وأن يجعل ما نعلم وما نتعلم حجة لنا لا علينا إنه على كل شيء قدير.
الواقع -أيتها الأخوات الكريمات- أن الأسئلة الكثيرة التي وصلت إلينا كافية لأن نتحدث، وليتنا نفي بالحديث عنها، فكنت أريد أن أقدم بعض القواعد العامة، ثم رأيت أن كثيراً من هذه الأسئلة يشتمل على هذه القواعد، ولذلك رأيت أن أبدأ مباشرة بالإجابة عنها، وما يفتح الله تبارك وتعالى به من مناسبة لأصل إلى قضية كبرى من قضايا المجتمع الإسلامي .. قضايا المرأة المسلمة .. قضايا دعوتها وقيامها بواجبها في عبادة الله تبارك وتعالى، وتحقيق ما أمر به وغير ذلك، فكل ما يمكن أن يفتح الله تبارك وتعالى به عليّ سيأتي بإذنه تعالى في ثنايا هذه الإجوبة، نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بها إنه على كل شيء قدير.
السؤال: أخت تتحدث عن المرأة الداعية الصابرة المحتسبة التي تقوم بأعمال الخير وتنجزها، وتضيق أوقاتها في ذلك، لكن المشكلة الفتور الذي يعتريها في بعض الأوقات، فهل من كلمة -يا رعاكم الله- لها؛ لتكون دافعاً لعلو همتها، وبلسماً لآمالها ومشاقها التي تعيقها في طريق الدعوة؟
الجواب: أقول لنفسي ولإخواني وأخواتي الفاضلات جميعاً: إن الفتور مشكلة شكا منها الصالحون والزهاد وأولياء الله سبحانه وتعالى، العباد الذين عرفوا حقارة هذه الدنيا، وأنها مزرعة للآخرة، ووقت يغتنم للعمل للآخرة، فاجتهدوا في ذلك وعرفوا عظيم رضوان الله تبارك وتعالى عمن جاهد في سبيله، واجتهد في طاعته ورضاه، ومن صابر في ذلك وصبر، فلما عرفوا هذا وهذا، وجدوا أن النفوس البشرية لا تحتمل، بل تعاني من الضعف والفتور، وتعاني من أن الحالة التي يرضاها ويرغبها المؤمن لنفسه حالة الخشوع والرغبة والرهبة.. حالة الإنابة إلى الله تبارك وتعالى.. حالة اليقين.. حالة الدمعة التي تُذرف لذكر الله عز وجل، أو للتفكر في شيء من آلائه، هذه الحالة لا تدوم، بل تعقبها حالات من الفترات.. وحالات من أشغال الدنيا ومشكلاتها.. وحالات من معافسة الأهل والأزواج -كما قال حنظلة رضي الله تعالى عنه- وحالات وحالات.. تنتاب القلب البشري الذي ما سمي قلباً إلا لتقلبه.
نقول: إن هذا هو الذي أرَّق العبَّاد والزهاد من قبل، وهو الذي يؤرقنا جميعاً في هذه الأيام، وهو مشكلة كبرى لا بد أن نشكو منها، ولكن لا بد أن نعترف بأنها حقيقة بشرية إنسانية، فالله تبارك وتعالى اختص الملائكة الكرام بأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، أما نحن فلا بد أن نفتر؛ لما رُكب فينا من الضعف البشري: ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً))[النساء:28] ولما رُكب فينا من مؤهلات ومكونات تقتضي حقوقاً وواجبات للزوج أو للزوجة أو للأبناء، وللكدح في هذه الحياة الدنيا، وما إلى غير ذلك من الأسباب.
لكن الذي يعزي المؤمن والمؤمنة أن كلاً مبتلى في كل الأحوال، وأنه يؤجر على كل ما يصيبه من همّ وغم ونصب، وأنه يؤجر على كدحه لعياله، وأنها تؤجر على حسن تبعلها لزوجها، وغير ذلك من الأعمال التي جاءت الشريعة الربانية المحكمة بها، فرفعت قدر العابد من هذه الأمة حتى جعلته يحتسب نومته كما يحتسب قومته، وجعلته لا يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- إلا كان له به أجر.
فبهذا نستطيع أن نجعل المسألة ليست مسألة فتور عن الطاعة أو العبادة أو الدعوة، بل نجعلها تقلباً لحالات معينة، تمر بها النفس البشرية، ونجعل في كل حالة من الحالات حقاً وواجباً لا بد أن تؤديه، فالرجل عندما يؤدي حق زوجته وأبنائه، أو والديه حتى بالكدح في الدنيا عليهم فإنه يؤدي عبادة شرعية.
فإن كان الفتور إنما هو في انشغال الإنسان عن قراءة القرآن أو الدعوة أو العبادة لمثل هذه الواجبات، فالحقيقة إنما هو نقلة من عبادة إلى عبادة، ومن حالة يتقرب بها إلى الله إلى حالة أخرى.
الأمر الآخر: إن طبيعة كون الإيمان يزيد وينقص تتمثل فيها حالة البلاء والابتلاء الحقيقية التي ابتلينا بها: ((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً))[هود:7] فالبلاء إنما يتحقق بذلك، فلو أن المؤمن آمن بالله تبارك وتعالى، وبلغ درجة من اليقين لا ينزل عنها أبداً لما كان البلاء بمثل هذه الدرجة وبمثل هذه الخطورة.
لكن البلاء أنه يعقب ذلك النشاط ضعف، ويعقب اليقين شك، ويعقب الاجتهاد ضعف أو فتور، ويعقب الإنابة والخشوع والرهبة والرغبة فيما عند الله غفلة أو إهمال، أو تناس لذكر الله سبحانه وتعالى، ويعقب الطاعة معصية، وهكذا.. {كل ابن آدم خطاء}.
ومجمل القول: أننا هكذا خلقنا الله تبارك وتعالى، وهكذا ركبنا، وعلينا أن نجاهد ونقاوم، وأن نعتبر ذلك جزءاً من البلاء الذي ابتلينا به، والعون في ذلك لا يلتمس إلا من الله تبارك وتعالى، والتوكل عليه عز وجل في هذا هو أعظم التوكل، كما قال جل شأنه: ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ))[الفرقان:58].
فالتوكل عليه عز وجل في الثبات أعظم مِن توكل مَن توكل من العباد والزهاد في تحصيل رغيف أو عمل أو معاش أو أمر من أمور الدنيا.
التوكل عليه تبارك وتعالى في الثبات على الصراط المستقيم، وفي طلب الهداية، وفي ثبات اليقين، وحالة الخشوع والإنابة أعظم من ذلك بكثير، وهو الذي كان عليه الأنبياء والعباد منذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعاً منهم إنه على كل شيء قدير.